تمهيد إشكالي : واجهت المغرب في العقد الأول من القرن العشرين1912/1900 مجموعة من الأزمات ساهمت فيها عوامل داخلية وأخرى خارجية في عهدي السلطانين المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ انتهت بسقوطه تحت الحماية الفرنسية والأسبانية1912. فما هو السياق العام الذي فرضت فيه الحماية على المغرب؟ وما هي أجهزة ومؤسسات نظام الحماية؟ وما هو رد فعل المغاربة تجاه هذا النظام؟
I- السياق التاريخي العام لفرض نظام الحماية على المغرب
1- مهدت ألازمات الداخلية التي عرفها المغرب لفرض الحماية عليه.
عانى المغرب من اضطراب أحواله الداخلية خلال عهدي م عبد العزيز وم ع الحفيظ وتعمقت أزماته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تمثلت في:- ثقل الديون الخارجية بسبب سياسة الاقتراض التي قيدت حرية المخزن وزادت من تازيم أوضاعه الاقتصادية لتهددها وارتفاع نسبة فوائدها.
- الثورات والتمردات القبلية ضد المخزن بقيادة كل من بوحمارة و الريسوني والتي ساهمت في نشر الفوضى وإضعاف هيبة المخزن وفي انهيار المؤسسة العسكرية وكلفته نفقات مالية لمواجهتها.
ولمواجهة ضعف مدا خيل الدولة وأزمتها المالية اقر م ع العزيز إصلاحا جبائيا تمثل قي قرض ضريبة الترتيب والتي عارضها ذووا الامتيازات والشرفاء والمحميين والأجانب بالمغرب واعتبرها العلماء غير شرعية. مما افشل هذا الإصلاح وحرم خزينة الدولة من مداخيل مهمة فزاد ذلك في تعميق أزمة المخزن الذي أصبح عاجزا عن مواجهة مشاكله الاقتصادية والسياسية.
وأمام استفحال ألازمة المغربية وسياسة الاقتراض والتنافس الإمبريالي على المغرب والاتفاقيات السرية والعلنية حوله (الاتفاق الإيطالي /الفرنسي1902 حول المغرب وليبيا و الاتفاق الودي 1904 بين فرنسا وانجلترا حول المغرب ومصر ) والتدخل الألماني ( زيارة غيوم2 الى طنجة) انعقد مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906 والذي حسم في مسالة الإصلاح لصالح فرنسا واسبانيا بالمغرب وهو ما اعتبرته الدولتين إذنا لهما بالشروع في احتلاله وتقسيمه.
2- افقد نظام الحماية السيادة المغربية.
أدى قبول م ع العزيز لمقررات الجزيرة الخضراء إلى عزله ومبايعة أخيه م ع الحفيظ 1908 الذي رأى فيه المغاربة رمزا لمقاومة التدخل الأجنبي. إلا أن الضغط الدولي وعدم اعتراف فرنسا بشرعيته وسقوطه في فخ القروض جعله يهادن الفرنسيين مما أثار غضب المغاربة فحاصروا القصر الملكي بفاس مما جعل الجيش الفرنسي يتدخل بدعوى حماية السلطان وأجبرته على توقيع الحماية في 30 مارس1912 .
وقد نصت معاهدة الحماية على تأسيس نظام جديد بالمغرب ستند له مهمة القيام بإصلاحات إدارية و عدلية وتعليمية و اقتصادية ومالية وعسكرية لفائدة المغرب. كما يقوم السلطان بتسهيل الاحتلال العسكري للمغرب بذريعة( تبرير) استتباب الأمن وتامين المعاملات التجارية وتنفيذ الإصلاحات من اجل تحديث البلاد وتطوير اقتصادها.
وبفرض نظام الحماية فقد المغرب سيادته وحقه في تسيير شؤونه العامة بنفسه لصالح الحمايتين الفرنسية في الوسط والاسبانية في الشمال والجنوب وسلطة دولية في طنجة .ليصبح له في شخص السلطان وخليفته دورا شكليا .مجردا من الصلاحيات.
II-أجهزة ومؤسسات نظام الحماية الفرنسية والاسبانية بالمغرب.
1- أجهزة ومؤسسات نظام الحماية الفرنسية بالمغرب.
أحدثت فرنسا إدارة فرنسية لترسيخ سلطتها مع الاحتفاظ بالأجهزة المخزنية تمثل الإدارة المغربية. توزعت بين إدارة مركزية وإقليمية ومحلية: فعلى رأس إدارة الحماية المقيم العام الإقامة العامة ( اليوطي أول مقيم عام 1912- 1925) يمثل الجمهورية الفرنسية بالمغرب يسير المصالح الإدارية والعسكرية يسن القوانين ويصادق عليها. وبذلك كان مطلق الصلاحيات.يساعده كاتب عام يشرف على جميع الإدارات. إضافة إلى المديرون و يتولون رئاسة المديريات كوزارات أهمها المالية والداخلية والتعليم و الفلاحة....وفي الإدارة الإقليمية يسيرها مراقبون: مدنيون بالرباط والبيضاء ووجدة. وضباط الشؤون الأهلية بالمناطق العسكرية المضطربة كفاس ومكناس ومراكش واكادير.أما الإدارة المغربية مركزيا فعلى رأسها السلطان ( له دور شكلي يوقع الظهائر وله سلطة دينية) يساعده الصدر الأعظم ووزارتي العدل والأوقاف أما محليا يمثل الادراة المغربية الباشوات في المدن والقواد بالبوادي يخضعون للإدارة الفرنسية. وبحلول1925 تحولت الحماية إلى إدارة مباشرة تتخد القرارات متجاوزة الإدارة المغربية عكس ما كانت تصرح به سلطات الحماية في شخص مقيمها العام اليوطي أن الإدارة تتم بمؤسسات وحكومة وإدراة البلد وتحت السلط العليا للسلطان وتحت الإشراف البسيط لفرنسا...الوثيقة11ص70.
2- التنظيم الإداري بمنطقة الحماية الاسبانية ماعدا طنجة.
تميزت بازدواجية الإدارة مثل الإدارة بالمنطقة الفرنسية. بين الإدارة الاستعمارية والإدارة المخزنية المغربية( شكلية) مركزيا ومحليا الخطاطة ص72.الإدارة الاسبانية: مركزيا: على رأس إدارة الحماية مندوب سامي يمثل الدولة الاسبانية بالمغرب يسير منطقة الاحتلال ويستعين بمجموعة من الأجهزة الإدارية في شكل نيابات( الأمور الأهلية-التعليم-الصناعة-الفلاحة-الصحة-المالية......) أما محليا فعينت اسبانيا على المدن قناصل وعلى البوادي ضباط عسكريين.
الإدارة المغربية: مركزيا: يمثلها خليفة السلطان له صلاحيات شكلية كإصدار الظهائر ويتولى إدارة العدل والأوقاف. محليا يمثلها الباشوات بالمدن والقواد بالبوادي ينوبون عن الخليفة.
طنجة أشرفت عليها إدارة دولية لوضعها الدولي في نظام الحماية انظر الملف الخاص بها في ص102-103-104-105-106
III- مراحل احتلال المغرب وحركة المقاومة المسلحة المغربية ومميزاتها.
1- مر الاحتلال العسكري للمغرب بمراحل رد عليه المغاربة بالمقاومة المسلحة
تطلب إخضاع المغرب مدة زمنية طويلة امتدت من 1912الى 1934عبر مراحل كالتالي: الخريطةالوثيقة1ص72.
بداية القرن 15م احتلال سبتة و مليلية إلى الآن.– وسيدي ايفني 1860 بعد معركة تطوان ضد اسبانيا
ماقبل1912 مناطق المغرب الشرقي وواحات الجنوب الشرقي كوجدة و البيضاء الرباط و فاس ...
1912/1914: مناطق مراكش ومناطق تازة مكنت فرنسا من ربط مناطق الشرق بالغرب.
1914/1920: الناطق الأطلسية.
1921/1926: مناطق الريف كالحسيمة و مناطق خنيفرة.
1931/1934: المناطق الصحراوية
وقد رافق هذا الاحتلال العسكري اندلاع المقاومة المسلحة طيلة مدة التغلغل العسكري انظر الجدول الوثيقة3ص73 في كل من الجنوب بقيادة احمد الهيبة ابن الشيخ ماء العينين انهزم أمام الجيش الفرنسي في معركة سيدي بوعثمان6/9/1912 والأطلس المتوسط بقيادة كل من موحى وسعيد بالقصيبة وموحى وحمو الزياني بخنيفرة الذي هزم الفرنسيين في معركة لهري1914وكبدهم خسائر ثقيلة.والأطلس الكبير الشرقي والصغير بقيادة عسو اوباسلام ومن أهم معاركه ضد فرنسا معركة بوغافر 1933 وفي الريف قاد المقاومة كل من الشريف محمد امزيان ومحمد بن عبد الكريم الخطابي في اشهر معاركه أنوال 1921 التي هزم فيها الجيش الاسباني قبل تحالفه مع فرنسا فتم وضع حد للمقاومة بالريف. وقد اعتمد قوات الاحتلال في مواجهة المقاومة على بعض كبار قواد القبائل كالريسوني في الشمال و التهامي لكلاوي وأخوه المدني في منطقة مراكش.
2- تميزت حركة المقاومة المسلحة المغربية بحسن تنظيمها وقوتها
تطلب احتلال المغرب عسكريا من طرف سلطات الحماية 22 سنة من العمل العسكري ( 1912الى1934) وذلك بفضل قوة المقاومة المسلحة المغربية و حسن تنظيمها رغم استعمالها لوسائل وأسلحة تقليدية بسيطة وأسلحة الغنائم العسكرية من المعارك كما هو الشأن في معركة لهري وأنوال مقارنة مع التفوق العسكري للمحتل المكون من جيش نظامي مجهز بأسلحة متطورة نارية ودبابات وطائرات . إضافة إلى ارتفاع الروح القتالية للقبائل والتفافها حول زعماء المقاومة . وهو ما حاولت فرنسا ضربه بخلق التفرقة سياسة فرق تسد بين مكونات المجتمع المغربي من امازيغ وعرب بإصدارها للظهير البربري 1930 أفشله المغاربة وزاد من شعورهم القومي .
وبنهاية المقاومة المسلحة سنة 1934 دخلت المقاومة المغربية مرحلة المقاومة السياسة إلى جانب العمل المسلح بقيادة الأحزاب السياسة انظر الوحدة4 من المجزوءة الثانية.
خاتمة: إذا كان نظام الحماية ظاهريا يهدف إلى تحقيق الآمن وتنمية المغرب اقتصاديا وإداريا وعسكريا ..فان جوهره الحقيقي هو استغلال ثروات البلاد لما يخدم مصالح الدولتين الاستعماريتين.